الخامات المحلية.. تُغني الفقراء
د. مجدي سعيد
--------------------------------------------------------------------------------
تكنولوجيا الفقراء هي تلك التكنولوجيا التي تقدم حلولًا تكنولوجية مختلفة المناهج لمشكلات الفقراء.
وفي هذا الإطار يمكن أن نقدم نموذج إعادة اكتشاف الخامات المحلية الذي يقدمه مركز تنمية الصناعات الصغيرة الذي أُنشئ عام 1990 كوحدة ذات طابع خاص في كلية الهندسة جامعة عين شمس بهدف القيام بالبحوث التطبيقية الهادفة إلى تطوير استخدامات مبتكرة للخامات المحلية بما يُسهم في نشر صناعات صغيرة في المجتمعات المحلية المختلفة.
وتعتمد منهجية عمل المركز على الخطوات التالية:
(1)التعرف على الخامات المحلية المتاحة.
(2)القيام بإجراء الاختبارات لتحديد الخواص الفيزيقية والميكانيكية لهذه الخامات، ومقارنتها بالخامات البديلة الموجودة في السوق.
(3)تطوير منتجات جديدة تقوم على هذه الخامات، وفتح أسواقٍ جديدة لها.
(4)تحديد الظروف المثلى للعملية الإنتاجية، ويقتضي ذلك القيام ببحث علمي تطبيقي.
(5)تصميم الماكينات المناسبة .
(6)تصنيع واختبار النموذج الأول من الماكينات وتعديل التصميم إن لزم الأمر.
(7)إنشاء وحدة إنتاج تجريبية للمنتجات المطلوب تصنيعها بما يضع الصناعة الجديدة محل الاختبار والتقييم.
(
القيام بدراسات الجدوى لإنشاء مشروعات صناعية صغيرة تقوم على استخدام الخامات المحلية.
جريد النخيل كنموذج لاستنبات التكنولوجيا:
وهو نموذج قابل للتعميم، حيث إن المجموعة التي بلورت هذا النموذج لم يكن لديها أي معلومات مسبقة عن جريد النخيل ولم تنعم بتمويل جيد للبحوث، وكان السبب في اختيار هذه الخامة للبحث والعمل أن المجموعة قد وجدت أن هذه الخامة متوافرة بكثرة في البيئة المحلية، لكنها صارت خامة تسبح ضد التيار، حيث أدى تغير أنماط الحياة في الريف إلى تحول هذه الخامة إلى عبء على البيئة؛ مما أدى إلى إهمال التقليم، ونشوب الحرائق وزيادة معدلات إصابة النخيل بالحشرات، إضافة لانهيار الجدوى الاقتصادية لزراعة النخيل، وقد مرت التجربة بالمراحل التالية:
(1)فهم واستيعاب التقنيات المتعلقة بإنتاج المنتجات الخشبية.
(2)إحلال جريد النخيل محل الأخشاب المستوردة في منتجات نمطية:
ا-في صناعة الأرابسك بديلًا للزان.
ب-في صناعة ألواح "الكونتر بانوه" بديلا لخشب البياض.
ج-في صناعة ألواح الحُبيبي بديلًا لخشب الكازوارينا
(3)إبداع ماكينات تجهيز جريد النخيل كخامة صناعية؛ لتناسب خامة جريد النخيل، لكنها تعمل وفقًا لأسس تشغيل الأخشاب.
(4)إبداع ماكينات تجهيز جريد النخيل على أُسس غير معروفة من قبل للأخشاب، وتعتمد على المعرفة الجديدة بالبناء التشريحي لجريد النخيل، حيث لا يوجد تدعيم عرضي بمقطع الجريدة بما يسمح باستخدام عمليات التشغيل في الاتجاه الطولي للجريدة؛ مما يخفض جدًّا من طاقة التشغيل، ويمنع التلوث الناتج عن عمليات التشغيل العادية.
(5)إبداع منتجات جديدة تمامًا من جريد النخيل مثال قشرة من الجريد لها مواصفات ميكانيكية تضاهي الصلب(24 كجم/مم2 متانة الشد) تصلح للاستخدام في مؤلفات صناعية Industrial Composites في المجالات المختلفة.
حطب القطن كنموذج للتعامل الإيجابي Proactive مع مشكلات البيئة:
يعتبر القطن من الزراعات الرئيسية في مصر وعدد من الدول العربية والإسلامية، وينتج عن زراعة القطن حطب القطن الذي يعد من المخلفات الزراعية التي يتم التخلص منها بالحرق، وإذا علمنا أن البلدان العربية ينتج عنها 3ملايين و263.3 ألف طن من حطب القطن (ضمن إجمالي يبلغ 273 مليونًا و99.7 ألف طن من 16 صنفًا من الباقيات الزراعية) وهو ما يمثل بهذا الأسلوب مصدرًا هائلًا للتلوث البيئي، أو على أقل تقدير إهدارًا لثروات لم يحسن استخدامها، وقد تمكن المركز من إنتاج الخشب الحبيبي الذي تفتقر أغلب الدول الغربية للموارد الخشبية اللازمة لتصنيعه؛ نظرًا لعدم توافر المواد الخام، إضافة إلى ذلك فقد وجد أن المواصفات الخاصة بالخشب الحبيبي الناتج عن حطب القطن من متانة الثني ومعامل المرونة والترابط الداخلي وتماسك السطح والسمك بعد ساعتين من الغمر في ماء درجة حرارته 20 درجة مئوية تفوق المواصفات المطلوبة وفقًا للمقاييس المصرية، وقد وجد أيضًا أن هذا المشروع يمكن أن يوفر مليونًا و650 ألفَ م3 من الخشب الحبيبي للسوق المصري بقيمة إنتاجية 800 مليون جنيه مصري بحجم عمالة مباشرة 3800 عامل إضافة إلى عمالة موسمية مقدارها 221800 عامل. كذلك فقد أمكن صناعة الألواح الليفية متوسطة المتانة والتي يتزايد الطلب المحلي عليها في مصر وكافة الدول العربية؛ لتزايد اعتماد مصانع الأثاث عليها.
كما يقوم المركز كذلك بمشروع بحثي لدراسة إمكانية استخدام نواتج تقليم أشجار الفواكه مثل المشمش والكمثرى والموالح والخوخ والمانجو والتين والجُوافة والزيتون في الصناعات البيئية والصغيرة؛ وذلك بهدف ترشيد استخدام تلك النواتج كبديل للأخشاب والمنتجات الخشبية المستوردة، وبعد نشر هذه النواتج وتجفيفها والقيام بكافة تجارب التشغيل عليها أمكن صناعة مجموعة كاملة من المنتجات تضاهي في متانتها المنتجات المصنعة من خشب الزان والموسكي
وكانت فكرة إنشاء المركز قد جاءت تتويجاً لجهد بحثي وعملي بدأ في فبراير من عام 1989 لتنمية الصناعات والحرف التقليدية والصغيرة في محافظة الفيوم بصحراء مصر الغربية.
خلاصة:
منهج المركز يعتمد أساسًا كما قلنا على إعادة اكتشاف الخامات المحلية والمتوافرة في البيئات الريفية البسيطة، خاصة تلك الخامات المهملة أو التي تأخذ طريقها للإهمال، ومن ثم فهو يقدم دورًا جديدًا للمؤسسات الأكاديمية في بلادنا في توسيع دائرة الفرص الاستثمارية المتاحة أمام قطاعات كبيرة من الفقراء الذين تتوافر فيما بينهم تلك الخامات، وهنا يأتي الدور الاجتماعي الغائب للمؤسسات المالية كطرف ثالث ومهم في تلك المعادلة من أجل توفير رءوس الأموال؛ لاستثمار تلك الخامات وتلك الأبحاث التطبيقية وتلك الأيدي العاملة المتعطشة للعمل، وهو الأمر الذي يحاول الأستاذ الدكتور حامد الموصلي أستاذ هندسة الإنتاج بالكلية والقائم على المركز القيام بتوفيره من خلال المشاريع التنفيذية التي يقوم بالإنفاق عليها، ومثال ذلك مشروعه لتصنيع الأخشاب من جريد النخيل بالواحات المصرية